الحق المسلوب "قيادة المرأة للسيارة" إلى متى؟


ونحن في هذه الأيام العصيبة من أيام الاختبارات، قام المعلم بالبحث عن حل لمشكلة استعصت عليه كثيراً وهي أن الطلبة يقومون بالغش في الاختبارات من بعضهم البعض، فبعد عملية معقدة من العصف الذهني قرر ان يصدر أمراً لطلابه يحل له هذه المشكلة المعقدة، قرر هذا المعلم المميز بأن يعطي كل طالب من طلابه قطعة قماش يلفها حول رأسه لتغطي العينين، وبهذا الأمر يسلم المعلم من تعرضه لمشكلة الغش التي يمارسها الكثير من الطلبة.
هذا الحل الذكي والفريد من نوعه يعتبر تفكيراً خارج الصندوق، بل إنه صندوق بلاتفكير فهو كما توقعت عزيزي القارئ سيحرم الطالب من نعمة البصر التي هي وسيلته الوحيدة لقراءة الأسئلة والإجابة في الاختبار، ربما أن حظ هؤلاء الطلاب مع هذا المعلم جيد، أفضل من ذلك المعلم الذي قرر أن يفقأ اعينهم ليتخلص من هذه المشكلة إلى الأبد.
هناك أمر في مجتمعنا يتم التعامل معه على هذا المبدأ "مبدأ سد الذرائع المفضية إلى المفاسد" وهو قيادة المرأة للسيارة، حيث أخذ هذا الموضوع الجهد والوقت الطويل من النقاشات دون نتيجة تعود على ما أراه شخصياً حقٌ مكتسب للأنسان وهو حق التنقل دون الوصاية من عالم شرعي أو حاكم سياسي، فمن ما اعتقده يقيناً ولا أشك فيه بأن لقيادة المرأة للسيارة مصالح عظيمة ومفاسد عظيمة أيضاً ولذلك فلاحق لعالم شرعي ولا لحاكم سياسي أن يتحكم في مصير تنقل نصف المجتمع دون أن يكون له مسوغٌ شرعي لفعل ذلك. وكل مايدعيه مانِعِي أو مُحَرِمِي أو مُجَرِمي قيادة المرأة للسيارة من مسوغات أو اسباب شرعية لا تعتبر أسباباً شرعية بل هي اجتهادات شخصية ليس للشرع أصل في منعها، ماهي إلا أسباب واهية تنطبق على أي أمر آخر مباح قد يتم استخدامه في المفاسد وكذلك في المصالح. فالأصل في قيادة المرأة للسيارة الإباحة.
هذا الحق "حق التنقل" هو حق مسلوب من المرأة تم سلبه لأنه يفضي إلى مفاسد، علماً أن في خروج المرأة من منزلها مفاسد أيضاً، ولو وجهنا سؤالاً لمن يدعي بحرمة قيادة المرأة للسيارة وقلنا له ماهو أسوء مفسدة قد تتحقق في حال قادت المرأة السيارة؟ لربما قال أنه يفضي إلى أن تخرج المرأة وتذهب إلى مكان ما تمارس فيه الزنا وهو كبيرة من الكبائر. فهل هذه الكبيرة لايمكن وقوعها في حال منع المرأة لقيادة السيارة؟ بالطبع فالجواب لايمكن منع هذه الكبيرة من أن تقع على الإطلاق خصوصاً وأن النساء في هذا الزمان يركبن مع السائقين ويذهبن اينما شئن دون إذن ولي أمرهن في بعض الأحيان بل تستطيع أن تركب اي سيارة أجرة وتذهب لماتستطيع الذهاب إليه كما لو كانت تقود السيارة، بل يمكن أن يأتي لأخذها من تستطيع الذهاب إليه بنفسها لو قادت السيارة. فالمفسدة لن يتم منعها لو تم منع المرأة من قيادة السيارة.
ويأتيك آخر ويقول المجتمع غير جاهز لقيادة المرأة في الوضع الحالي، وحينما تتسائل عن الأسباب يتحجج لك بعدم وجود موظفات للمرور لضبط السير. فسؤالي : هل المجتمع جاهز لخروج المرأة من بيتها إلى بيت جارتها؟ هل لو وقعت في حفرة سيساعدها موظفات الهلال الأحمر وحينما تتعرض للسرقة او لمشاجرة سيأتي لها موظفات الشرطة لفض النزاع والمشكلة؟ بالطبع لا! لم أر في حياتي موظفات في الهلال الأحمر ولافي الشرطة، فلماذا لايتم منع المرأة من الخروج من بيتها، فخروجها من بيتها له مفاسد عظيمة أهمها عدم جاهزية المجتمع بموظفات الهلال الأحمر والشرطة، وكذلك ربما يأتي للمرأة عاشق حبيب يقودها إلى كبيرة الزنا.
في الحقيقة إن منع المرأة من الخروج من بيتها على الإطلاق كمنع المرأة من قيادة السيارة على الإطلاق، فليس للعالم ولا للحاكم أن يمنعا ذلك ولكن على العالم أن يبين المفاسد وكيفية تجنبها ويترك الأمانة على ولي أمر المرأة، فإن كان ولي أمرها مقصراً معها أو ديوثاً فإثمه عليه وإن كان رجلاً عاقلا يتبع احكام شرع ربه فقد أدى الأمانة، فليس للعالم أن يمنع المرأة من قيادة السيارة على الإطلاق. فلو افترضنا أن هناك رجلاً معاقاً أو كفيفاً او مريضاً فلاحرج لو خرج هو وزوجته او والدته وهي تقود السيارة لقضاء حاجة ما من سوق او زيارة قريب أو مراجعة طبيب، يجب على العالم أن لايحرم ما أباح الله، وإن فعل فهو آثم، فهو حين يطلق حكماً لعموم الناس ويأخذها الحاكم ويطبقها طاعة للعالم وباعتبار أنه يقول مايقوله الله ورسوله فيجب عليه أن يراعي جميع الحالات، سمعت الكثير من العلماء يقولون نحن نكرم المرأة ونذهب بها ونأتي بها وهم في هذا الأمر لاينظرون إلا لأنفسهم مثلهم مثل ذلك الرجل العاقل الصحيح البدن المبصر الذي لايمنعه مانع من قيادة السيارة، وينسىون أن هناك من لايستطيع فعل مايستطيعون فعله إما لإعاقة أو لعجز مادي أو بسبب ظروف هروب السائق او عدم توفر سائق أجرة لأنه في منطقة لاينتشر فيها سيارات الأجرة.
أن التخوف من التغريب يدفع بالمجتمع نحو التغريب حتماً، فلو أن العالم وقف لهذا الأمر وبين فيه المصالح والمفاسد ثم افتى باباحته وطالب بحق الناس في أن يكون لهم مايريدون، إن أرادو تركو بناتهم وزوجاتهم وامهاتهم يقدن السيارات وإن لم يريدو فهذا أمر بينهم وبين الضوابط المطلوبة لقيادة المرأة للسيارة والمحاذير التي يجب اجتنابها في جانب هذا الأمر المباح، وكيفية صيانته من التعدي والإفساد ، لانتهت هذه المشكلة منذ سنوات طويلة، ولكن العالم تشدد في أمر مباح، واذا تشدد العالم فيما لايجب التشدد فيه فقد ضيق على الناس، فكم من شخص يحتاج لأن تقود امرأته السيارة كالكفيف او المعاق ويرى جواز ذلك ومصلحة ذلك على حياته الشخصية ويعاهد الله على أن يحرص أشد الحرص على هذه المرأة بمتابعتها والخروج معها حينما تقود السيارة، ثم يجد وطنا يفرض عليه أن يركب هو وزوجته ورجل غريب لينتقل من مكان لآخر، دون أن يتحمل وطنه تكلفة هذا القرار الظالم الذي كبد ميزانيته الكثير من الخسائر.
أن كل نفس مسئولة عما تفعل، وكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته فحينما يتم منع المرأة لقيادة السيارة لايعني ذلك أن قيادة الرجل كلها مصلحة وليس فيها أي مفاسد، فكم من أبٍ قصر مع إبنه واعطاه سيارة وتركه دون سؤال أو متابعة؟ إن هذا لهو أحق بإن يمنع من امرأة عاقلة تقود سيارتها بزوجها المعاق ووالدها المسن.
على الحاكم أن يتقي الله في هذا الأمر وأن يعطي الناس حقوقهم، فالنساء مسلوبات الحقوق في هذا الجانب والرجال أيضاً، فالمعاق الذي يحتاج لأن تقود زوجته او امه او ابنته السيارة قد سُلِبَ حقه وحق أهله في الخروج، بل هو لايستطيع فعل شيء بدون سائق او سائق أجرة، كم يعاني ذلك الشخص حينما يسافر لأحد مدن المملكة ويحتاج لمن يوصله ويذهب به لمشاويره، ان هذا الصنف من الناس مظلوم، فهو كمن يعيش في سجن، لايخرج إلا مكبلاً بسائق جاء من قيادة الأبقار ليقود سيارة باهظة الثمن، يتعلم على سياراتنا وفي شوارعنا وهذا المعاق لايجد نفسه الا حلالاً لمشاكل هذا السائق حتى يتعلم ويشتد عوده ثم يطلب المغادرة او نقل الكفالة لغيره ليعود هذا المعاق لنفس الدوامة ويستقدم سائق جديد ولكن هذه المرة براتب مضاعف.
إن مايحتاجه وطني لايعد اختراعاً لشيء جديد، ان فقط قيادة المرأة للسيارة، الذي تنفرد بمنعه هذه الأرض الطاهرة دون سواها من البلدان، فمتى ياوطني تتمكن العوائل المليئة بالإناث من التنقل وتخليص امورها دون الحاجة لإخراج الذكور من اعمالهم ليأتو بالأطفال من المدارس او لمراجعة الطبيب.
ان الموظفين في وطني يستأذنون من اعمالهم بنسبة أكبر من غيرهم في الدول الأخرى وذلك لمراجعة الطبيب للزوجة او للأم او لإحضار الاطفال من المدارس والزوجات من اعمالهن.
بيننا وبين قيادة المرأة للسيارة خطوة واحدة فقط، فتح اقسام نسائية في مراكز اختبار وتعليم القيادة وعدم حصرها على الرجال فقط، وحينها ستتمكن النساء من القيادة دون متطلبات أخرى، لاشك أن الجميع يتمنى وجود موظفات في المرور والشرطة وأمن الطرق لخدمة قائدات المركبات، ولكن هذا الأمر يعتبر ثانوي وليس أساسي ويمكن تحقيقه في المراحل المستقبلية.
رسالتي لكل من يجد في نفسه حرجاً من قيادة المرأة للسيارة، لاتخلط بين أن تركب المرأة في السيارة وتقودها وبين أن تكشف وجهها وتتبرج، فالمرأة عندما تقود السيارة لاتحتاج إلا لفتحتي نقاب لتستطيع من مشاهدة الطريق، لاداعي لكشف وجهها فهي لاتنظر من انفها او خدها، واعلم أن المطلوب هو عدم منع قيادة المرأة للسيارة وليس إخراج النساء لقيادة السيارات بالاجبار، ولايضيرك ان كانت السيارات في الشوارع تقودها نساء او يقودها رجال فأنت في طريقك وكلٌ في طريقه، واعلم ان هناك من هو مظلوم بسلبه حق قيادة المرأة للسيارة وهم المعاقون وغيرهم الكثير فانصرهم فهم في حاجة لحقهم رغم أن بعضهم يجهل أن ذلك حقٌ له.